فقه الجهاد
من الشهيد "سيد قطب" إلى المتثاقلين عن الجهاد (1)
إن الجهاد فريضة على المسلمين حتى ولو كان عدد أعدائهم أضعاف عددهم وأنهم منصورون بعون الله على أعدائهم . وأن الواحد منهم كفء لعشرة من الأعداء . وكفء لاثنين في أضعف الحالات . وفريضة الجهاد إذن لا تنتظر تكافؤ القوى الظاهرة بين المؤمنين وعدوهم . فحسب المؤمنين أن يعدوا ما استطاعوا من القوى . وأن يثقوا بالله . وأن يثبتوا في المعركة ويصبروا عليها . والبقية على الله . ذلك أنهم يملكون قوى أخرى غير القوى المادية الظاهرة . (( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم : انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ؟ فما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل ، إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ، ويستبدل قوماً غيركم ، ولا تضروه شيئاً والله على كل شئ قدير )) . بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعوا له على أطراف الجزيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه رزق سنة . وانضمت اليهم لخم وجذام وعاملة وغسان من قبائل العرب فاستنفر الناس إلى قتال الروم وكان - صلى الله عليه وسلم - قلما يخرج إلى غزوة إلا روى بغيرها مكيدة من الحرب ، إلا ما كان من هذه الغزوة (تبوك) فقد صرح بها لبعد الشقة وشدة الزمان إذ كان ذلك في شدة الحر حين طابت الظلال وأينعت الثمار وحبب إلى الناس المقام . عندئذ بدأت تظهر في المجتمع المسلم أعراض تهيب وتردد ، كما وجد المنافقون فرصتهم للتخذيل فقالوا : لا تنفروا في الحر ، وخوفوا الناس بعد الشقة وحذروهم بأس الروم وكان لهذه العوامل المختلفة أثرها في تثاقل بعض الناس عن النفرة . وهُدد المتخلفون بعاقبة التثاقل عن الجهاد في سبيل الله ، والتذكير لهم بما كان من نصر الله لرسوله ، قبل أن يكون معه منهم من أحد ، وبقدرته على إعادة هذا النصر بدونهم فلا ينالهم عندئذ إلا إثم التخلف والتقصير . إنها ثقلة الأرض ، ومطامع الأرض ، وتصورات الأرض ، ثقلة الخوف على الحياة ، والخوف على المال ، والخوف على اللذائذ والمتاع ، ثقلة الدعة والراحة والاستقرار ، ثقلة الذات الفانية والأجل المحدود والهدف القريب ، ثقلة اللحم والدم والتراب . إن النفرة للجهاد في سبيل الله انطلاق من قيد الأرض ، وارتفاع على ثقلة اللحم والدم ، وتحقيق للمعنى العلوي في الإنسان ، وتغليب لعنصر الشوق المجنح في كيانه على عنصر القيد والضرورة ، وتطلع إلى الخلود الممتد ، وخلاص من الفناء المحدود .